أعتقد أن أكثر الحركات الجسدية والأنشطة السلوكية تكراراً فى العالم المعاصر هى نقرة الماوس للدخول على الإنترنت، ومعظم هذه النقرات يمر عبر بوابة «جوجل»، تلك الفكرة العبقرية التى ولدت فى جامعة ستانفورد الأمريكية سنة ١٩٩٥ على يد شابين يهوديين يدرسان الدكتوراه فى علوم الكمبيوتر،
لم يتجاوز عمر كل منهما ربع القرن ولكن ما فعلاه وحلما به وتحقق لا يفعله من عاش ألف عام، لم يولد أى استلطاف بينهما فى البداية، ربما لم يندمج الدم روسى الأصل لسيرجى برين بالدم المنتمى لعالم العم سام الأمريكى للارى بيج، لكنهما سرعان ما تجاوزا حاجز الانطباع الأول المريب المتوجس حين وجدا أن ما يوحدهما هو الطموح والخيال والإبداع.
عندما قرأت خبراً عن أن رجلاً سويدياً من أصل لبنانى أطلق على طفله اسم «جوجل» لم أصفه بالجنون بل قلت إن هذا الرجل عنده حق فهو يرد الجميل إلى أكبر معلمى هذا العصر مستر جوجل، كان الموقع هو الآخر طفلاً أو بالأصح جنيناً منذ خمسة عشر عاماً فى عقل الشابين، هناك منجم وكنز اسمه الإنترنت فرض نفسه على عالمنا، لكن كيف ننقب فى دهاليز هذا المنجم الرهيب؟.. هذا هو السؤال الذى جند لارى وسيرجى نفسيهما للإجابة عنه، كيف تسبح فى المحيط وتصل إلى ضفاف تلك الجزيرة النائية بأسهل بوصلة؟، إنها بوصلة جوجل وقارب جوجل وقبطان جوجل، هذان هما من أخذا بأيدينا فى محيط المعرفة المتسع بلا حدود.
طرق الشابان أبواب جميع الشركات، حملا حلمهما الجنينى القابع فى تلافيف المخ الذى يحتاج من صاحب الشركة إلى خيال مكافئ لخيالهما لكى يفهم أبعاد هذا الحلم الذى سيحتضن أطراف العالم فى نقرة ماوس!
رفضت شركة «ياهو» أن تتبنى حلم جوجل، فقرر لارى وسيرجى أن يصنعا الحلم فى حجرة أضيق من مكتب أى موظف أرشيف فى مؤسساتنا الحكومية الميمونة!. اختيار الاسم له دلالة، فكلمة جوجل مقتبسة من الرقم واحد وأمامه مائة صفر، ومعنى هذا أن الحلم ليس له سقف وليست له شطآن،
فالحجرة تحولت إلى مؤسسة باتساع حى كامل، والعشرة آلاف ملف تحولت إلى مليارات الملفات، والثلاثون موظفاً تحولوا إلى عشرة آلاف موظف، واللغة الإنجليزية تحولت إلى ثلاثين لغة، وصار العالم كله من أقاصى الصين حتى أطراف الأمريكتين، ومن جليد سيبيريا حتى أحراش الكونغو، يبحث عن ضالته فى جوجل.
«كيف تصبح جوجل بيتك؟».. هذا هو الشعار الذى رفعه لارى وسيرجى وكلمة السر التى قدماها لتحقيق الارتباط وخلق حبل سرى بين الموظف والمؤسسة.. شاهدت فى الفيلم الوثائقى عن «جوجل» الموظف الحاصل على الدكتوراه يجلس وبجانبه لعبته المفضلة، موظف آخر يتزحلق على الجليد،
وآخر يستمع إلى الموسيقى، شاهدت كيف يعلن جوجل عن وظائفه التى يحلم بها أى مهندس فى العالم، مجرد مسألة رياضية معقدة فى إعلان غامض، ومن يحلها ويفك شفرتها سيجد نفسه أمام تفاصيل الإعلان وميعاد الاختبار!
جوجل فكرة غير تقليدية كان لابد لها من ولادة غير تقليدية ونمو غير تقليدى، لكن كيف تطورت هذه الفكرة من مجرد اتفاق فى ردهة جامعة إلى أعظم منجم معلومات فى العالم؟!