عدد المساهمات : 26 تاريخ التسجيل : 01/10/2009 العمر : 33
موضوع: الرئيس ينتفض السبت يوليو 17, 2010 12:36 am
بقلم سليمان جودة ( جريدة المصرى اليوم )
كنتُ أتصور أن «الخصخصة» صارت كلمة مُخيفة للناس فى القاهرة وحدها، فلما قضيتُ أسبوعاً فى المغرب، اكتشفت أنها مخيفة لهم هناك أيضاً، بل ومرعبة، مع فارق شكلى مهم، هو أن اسمها هناك «خوصصة» لا خصخصة! وسوف يكتشف المتابع لصحافتهم، أن القضية تشغلهم، بمثل ما تشغلنا تماماً، وربما بصورة أكبر، لا لشىء، إلا لأنها قد اقتربت، هذا الأسبوع، من مسألة تهم ٧٠٪ على الأقل من الشعب المغربى، وهى الصحة! الصحف فى المغرب تصف هؤلاء الـ٧٠٪ من المغاربة، بأنهم الأكثر هشاشة، أى أكثر ضعفاً من الناحية الاجتماعية، وبالتالى فإنهم سوف يتأثرون أكثر من غيرهم، لو أن «الخوصصة» قد طالت المستشفيات، وأخضعتها للمرة الأولى لهيمنة القطاع الخاص! وحين رحتُ من جانبى أطالع صحيفة «المساء» اليومية المستقلة لديهم، وهى بالمناسبة كبرى الصحف هناك انتشاراً، وهى صباحية، وليست مسائية، كما قد يوحى اسمها، فإن المانشيت بعرض صفحتها الأولى كان على النحو الآتى: «وزارة الصحة تتجه إلى (خوصصة) المستشفيات ومصحات الضمان الاجتماعى.. والنقابات تنتفض!». وكان مبرر المؤيدين للخوصصة أن الأطباء لا يملكون المال الكافى للاستثمار فى مجال الصحة، وأن ذلك لابد أن يفتح الباب، بالتالى أمام الذين يملكون رأس المال، للاستثمار فى إنشاء وتشغيل المستشفيات! النقابات، كما قالت الصحيفة فى المانشيت، انتفضت، وقالت إن المشروع، لو تم، سوف يضرب الأسس الإنسانية التى تقوم عليها مهنة الطب، ويحولها إلى سلعة تجارية، ويؤدى إلى «تبضيع» صحة المواطن، بمعنى تحويلها إلى بضاعة فى سوق تجارية كبيرة! المسألة، عندنا فى القاهرة، لم تصل إلى خصخصة المستشفيات بعد، ولكن المريض الفقير يواجه ما هو أسوأ، حين يتوجه إلى مستشفى عام، فيتبين له، عند الضرورة، أنه مستشفى لا يصلح لعلاج الحيوان، فما بالنا إذا كان المتردد عليه إنساناً من حقه على بلده أن يوفر له العلاج الآدمى المناسب! ويجب ألا ننسى أن المعركة الوحيدة، التى قادها «أوباما» فى الولايات المتحدة، منذ مجيئه رئيساً، فى يناير قبل الماضى، ونجح فيها بامتياز، هى معركة التأمين الصحى على ٤٧ مليون أمريكى، لم يكن التأمين يشملهم حتى جاء هو، فأخضعهم له بعد نقاش طويل، ثم جدل أطول مع الكونجرس بمجلسيه! وعندما نجح الرئيس الأمريكى فى تمرير مشروعه للتأمين الصحى، فإنه وصف ما جرى بأنه انتصار تاريخى! وإذا كان هناك من درس مُستفاد لنا، من الرباط، ومن واشنطن معاً، فهو أن استثمار الدولة ـ نعم الدولة وليس أى طرف غيرها ـ فى الصحة، معناه المباشر، هو الاستثمار فى المستقبل، لأنك لا يمكن أن تراهن على مستقبل فى بلد، ليست صحة الإنسان فيه على ما يجب أن تكون عليه، وإذا كان يصح للدولة أن تتخلى عن كل شىء، وأى شىء، على أرضها، لغيرها، ليقوم به، فلا يجوز أبداً أن تتخلى عن شيئين: التعليم، ثم الصحة، ففيهما تتعامل مع عقل المواطن، ثم مع جسده! فى أمريكا انتفض الرئيس، لا النقابات، ثم انتصر لصحة المواطن، لأن هذا المواطن، وحده، هو الذى يأتى بالرئيس!