صدر رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة مرسوماً بقانون رقم ١٠٨ لسنة ٢٠١١ لتعديل بعض أحكام القانون رقم ٣٨ لسنة ١٩٧٣ فى شأن مجلس الشعب. وقد راعى المشرع عند إصداره القانون فى صيغته النهائية ملاحظات عديدة كانت قد أبدتها الأحزاب والقوى السياسية المختلفة على مشروع أولى كان المجلس قد طرحه للنقاش العام منذ عدة أسابيع.
أدرك أنه من النادر أن يحظى أى قانون فى أى بلد فى العالم بإجماع الآراء، خصوصاً حين يتعلق الأمر بتنظيم القواعد التى تجرى على أساسها المنافسات الانتخابية. لذا، فمن الطبيعى أن يشعر البعض بأن القانون الذى صدر يوم الثلاثاء الماضى لا يلبى كل مطالبه ومن ثَم يستمر فى توجيه ملاحظات نقدية حول هذه الجزئية أو تلك، والتى قد يكون لبعضها ما يبرره بالفعل. ولأننى لا أرى فائدة ترجى من التوقف عند التفاصيل، أود أن أقصر ملاحظاتى اليوم على الصورة العامة لما قد تسفر عنه أول انتخابات تشريعية تجرى بعد ثورة ٢٥ يناير، وأتساءل: هل يمكن لانتخابات تجرى وفقا لهذا القانون أن تفرز برلمانا يليق بثورة ٢٥ يناير؟
للإجابة عن هذا السؤال أظن أنه يتعين علينا أن نميز بين عملية الانتخابات نفسها، والتى تشير دلائل كثيرة إلى أنها ستجرى هذه المرة فى أجواء أكثر نزاهة ومصداقية مقارنة بأى انتخابات أخرى جرت منذ عام ١٩٥٢، وبين بنية النظام التشريعى وفقا للتصور الوارد فى هذا القانون، وهى بنية تضعف كثيراً من احتمال أن تفرز الانتخابات القادمة، رغم نزاهتها وشفافيتها، برلمانا قويا يتناسب مع المهام التشريعية والرقابية المطلوبة منه فى المرحلة القادمة.
والواقع أننى لم أستطع أن أستوعب حتى هذه اللحظة لماذا يصر المجلس الأعلى للقوات المسلحة على الإبقاء على مجلس الشورى، من ناحية، وعلى تخصيص نسبة ٥٠% من المقاعد المنتخبة فى مؤسسة تشريعية لنظام سياسى يفترض أن يعكس طموحات وتوجهات ثورة ٢٥ يناير وتنتظرها مهام جسام لإصلاح ما أفسده النظام القديم وبناء نظام جديد قادر على أن يحول دون إعادة إنتاج نفس السياسات التى أوصلت مصر إلى ما هى عليه اليوم من تخلف فى جميع المجالات، خصوصا أن الغالبية الساحقة من القوى والتيارات السياسية طالبت بإلغائهما معاً وباتت مقتنعة تماما بعدم وجود أى مبرر لاستمرارهما.
لا يوجد، فى تقديرى، من تفسير لهذا الإصرار إلا أحد أمرين، الأول: غياب الرؤية القادرة على التفكير خارج الصندوق وسيطرة منهج إصلاحى ينطلق من ضرورة الإبقاء على بنية النظام القديم كما هى دون تعديل، وقصر الإصلاحات المطلوبة فى أضيق الحدود وبما يكفى لإخراج النظام الذى سقط رأسه من أزمته الراهنة. والثانى: الحرص على أن تظل المؤسسة التشريعية ضعيفة كى تتمكن السلطة التنفيذية المنتخبة، خاصة رئيس الجمهورية القادم، من صياغة السياسات واجبة التطبيق فى المرحلة القادمة بما يتناسب ومصالح نفس النخبة الحاكمة المرتبطة بالنظام القديم وبالشرائح الاجتماعية التى شكلت ولا تزال تشكل العمود الفقرى لهذا النظام. ولأن الأعضاء المنتخبين فى مجلسى الشعب والشورى هم الذين سيختارون أعضاء الجمعية الدستورية،
فمن الطبيعى أن يؤدى وجود برلمان ضعيف إلى ترجيح كفة رئيس الجمهورية القادم فى صياغة الدستور الدائم، خصوصاً أنه بات من المؤكد أن تجرى انتخابات رئاسة الجمهورية قبل أن تكون الجمعية التأسيسية قد أكملت مهمتها وفرغت من صياغة الدستور، ويبدو أن هذا هو بيت القصيد. وإذا صح هذا التحليل، فمعنى ذلك أنه يراد للنظام السياسى الجديد لمصر ألا يكون مختلفا كثيرا عن نظامها القديم![b]